10 سنوات من التّفهم

لما كنت هناك

10-11-2021


التغيير سنة الكون والكون من حولنا يتغير كل يوم، تذكر معي صورتك من 5 سنوات هل أنت ما زلت على نفس الشكل؟ أم تغيرت؟ أكيد تغيرت، لكن هل فقط أشكالنا التي تتغير؟ أم حتى عقولنا وطريقة تفكيرنا وثقافتنا تتغير يوم بعد يوم؟ ولما عندما نتعرف على ثقافة جديدة، نتبادل هذه الثقافة والمعرفة بشكل سهل أو نتصرف بجمود ولا يحدث لنا أي تغيير.

أكيد كان عندك صديق اللي كان يعيش في كندا، وكلما تتكلم معه يقول لك When I was in Canda لما كنت عايش في كندا كنا نفعل كذا وكذا، أو مديرك في العمل اللي رجع من 10 سنوات من كندا لسه يقول لك حتى الآن "أنا لما كنت اشتغل في كندا كنت أفعل كذا كذا".

وفي نفس الوقت صديقك المقرب كان يعيش معهم في نفس البلد ولما تجي سيرة البلد اللي كان يعيش فيها تلقاه يشكك بإنبهاره بها ويقولك انها ما عجبته، مو كل شي فيها جيد، وبرضه من الممكن يكون لك صديق ثالث عاش معهم في نفس البلد لكن ما يشوف إلا عيوبها وأبدًا ما تعجبه.

وممكن يكون عندك صديق رابع عاش في نفس البلد وأوقات في نفس المدينة، ولما كنت تسأله، يقول لك: فيها مميزات وعيوب، وممكن يكون عندك صديق خامس عاش معاهم في نفس البلد وبنفس المدينة وبالرغم من ذلك تلقاه متأقلم جدًا ومتقبل للفرق بين البلد اللي عاش فيه وبين ثقافته الأساسية.

أصدقائك الخمسة كلهم صادقين ووجهات نظرهم كلها صحيحة على نفس البلد والسبب أن لكل إنسان مرحلة من مراحل التبادل الثقافي أو اللي نسميه Acculturation مراحل الـ Acculturation أو التبادل الثقافي؛ تنقسم إلى خمسة مراحل، فمثلًا صديقك اللي كان يقول When I was in Canada وطبعًا أنا ما أقصد فقط كندا أقصد أي بلد كان يعيش فيها، طبعا هو في مرحلة صنفها العلماء مرحلة الـ honeymoon أو مرحلة شهر العسل وهي المرحلة التي يكون بها الإنسان منبهر بالثقافة الجديدة، ويرى كل مميزاتها "حسناتها" طوال الوقت، وما قدر يشوف أو يلقى فيها أي عيب "سلبية" ويشوف أن الثقافة الجديدة أفضل تمامًا من ثقافته الأصلية أو الثقافة الأم.

بينما صديقك اللي كان يقول إنه ما انبهر فيها كثير وشايف بعض العيوب، لكن ما وصل بعد للانتقاد؛ صنفه العلماء بأنه في مرحلة تُسمى مرحلة الملاحظة والشك، وهي مرحلة ما بعد انتهاء الـ Honeymoon أو شهر العسل وبدأ يلاحظ عيوب هذه الثقافة.

أما صديقك الثالث اللي كان يكره البلد اللي كان فيها ويكره الثقافة اللي كان يعيش فيها وكان يضع تركيزه فقط على عيوبها وما يشوف غيرها هو في مرحلة تسمى مرحلة الانتقاد اللي يكون فيها الشخص بس يركز على عيوب الثقافة الجديدة اللي هو فيها فكان يحس بالعنصرية لما كان هناك، اللي ممكن تكون حقيقية وممكن ما تكون عنصرية لشخصه، ولكن عنصرية لاختلاف ثقافته وعاداته وطريقته عن الثقافة السائدة في هذه البلد.

أما صديقك الرابع اللي يقول لك فيها وفيها هو الصديق اللي وصل لمرحلة التأقلم أو والتعايش مع ثقافتين مختلفتين، لأنه قدر يتأقلم ويفهم الثقافة الأم التي هي ثقافته الأساسية وثقافة البلد اللي كان يعيش فيها.
أما صديقك الخامس اللي كان جدًا متقبل وجدًا متصالح للاختلاف والفرق بينهم هو اللي كان يعرف تمامًا أكثر من صديقك الرابع أن هذه الثقافة الأم وهذه الثقافة الجديدة وبدأ يكوّن لنفسه ثقافة خاصة به تجمع المميزات من كل ثقافة وهذه تسمى مرحلة التبادل الثقافي أو Acculturation تحدث حين تنتقل من ثقافتك الأساسية أو الثقافة الأم على ثقافة جديدة ومختلفة تمامًا لم تعرفها أو حتى تنفتح عليها من قبل ولم تتخيلها أيضًا، صحيح ستقول إن الإعلام قرب الدنيا ونستطيع من خلاله أن نعرف الثقافات الأخرى وليس من المفروض أن يحدث لي Acculturation بشكل كبير.

صحيح، الإعلام يُقرب، لكن مو دائما كل شيء في الإعلام عن الثقافة الأخرى صحيح. غير لما تعيش في بلد آخر بعادات أخرى وتقاليد أخرى وترى أهل البلد وتعرف حقيقة ثقافتهم وعاداتهم واسلوب حياتهم؛ فإذا عشت ونشأت في موطنك الأساسي معنا في المملكة العربية السعودية ثم بعد ما تكونت شخصيتك وهويتك انتقلت للعيش في بلد آخر ولو كانت لفترات طويلة جدًا عشرة سنوات أو أكثر، لما ترجع لموطنك ما راح يصير لك تبادل ثقافي أو Acculturation , راح تكون في مرحلة من التأقلم والتعايش مع ثقافتك الأساسية اللي أنت نسيتها، لأن التبادل الثقافي يصير فقط لما تروح على ثقافة جديدة ما عشت فيها من قبل، وليست ثقافة كنت تعيش فيها ولكن نسيتها او نسيت أسلوب الحياة فيها وطريقة التعامل مع أفراد هذه الثقافة ولما ترجع لموطنك الأساسي، وأنت صار لك تبادل ثقافي متوازن، بمعنى أنه انتهيت من كل المراحل الخمسة ووصلت للتقبل وأصبح لديك تقبل في اختلاف الثقافات ما بين ثقافتك الأساسية وما بين الثقافة اللي عشت فيها لفترة وهذا راح يسهل عليك أنك تتأقلم مع ثقافتك الأم ويكون لديك توازن في شخصيتك واسلوب حياتك في موطنك الأساسي لأن الوطن ليس تراب فقط، الوطن رائحة الأحباب، رائحة الناس اللي نشأت على يدهم, أهلك، أصدقائك، ذكرياتك، حياتك التي بنيتها معهم، وكيف عشت ونشأت وسطهم، والعادات والتقاليد اللي نشأت عليها واسلوب ونمط الحياة اللي كوّنت هويتك وأساس شخصيتك, أنا ما قلت أن الهوية ما تتغير ابداً، الهوية تتطور كثير وكل ما نكبر تتغير وتتطور لكن تظل هويتك الأساسية فيها كثير من طفولتك، ونشأتك، وعاداتك وتقاليدك وقيمك ومبادئك. الوطن هو اللي يحسسك بالأمان والاحتضان ووجود الناس اللي تحبهم دائمًا بجانبك دائمًا يكون لك ذكريات طفولة معهم.

التوازن الثقافي مهم جدًا في شخصيتك بحيث يساعدك أن تكون متوازن شخصيًا وتأخذ المميزات "الحسنات" من كل ثقافة وتتعايش مع العيوب اللي تشوفها، فوجودك في هذا البلد الكريم المملكة العربية السعودية وسط أهلك وأحبابك والناس اللي تربيت معهم ونشأت وسطهم وبكل الإمكانيات اللي يقدمها لنا الوطن تعتبر أكبر فرصة لك إنك تفتخر بهذا الوطن اللي أعطاك الكثير.

كل التطورات في المملكة العربية السعودية توعدنا بمستقبل مشرق ومثل ما قال الشاعر "روحي وما ملكت يداي فداه وطني الحبيب وطني الحبيب وهل أحب سواه".