10 سنوات من التّفهم

قلة صبري

16-12-2021


تتذكر شهر محرم لعام 1440 هجري، تقدر تصدق أنه مرت 3 سنوات؟ قادر أنك تشعر بأن الإسبوع يمر بسرعة شديدة، يبدأ يوم الأحد وفجأة صار الخميس، هل تمنيت أن الدنيا تمشي بهدوء؟ والأيام يصير فيها بركة، وتقدر تنجز كثير من الأشياء التي تمنيت أن تنجزها.
هل تمنيت من قبل أن تمر الأيام ببطئ لكي تستطيع أن تنجز الأشياء اللي تحب تنجزها، فتحس ببعض من الروقان وراحة البال، ونفكر باليوم من بداية ما نستيقظ من النوم، لما تشرب كوب القهوة، هل لما تشرب قهوتك تفكر ايش حتعمل لما توصل للدوام؟ ايش المكالمة اللي اتكلمتها وأنت في سيارتك؟ وأنت تشرب قهوتك، ايش الاجتماع اللي لازم تحضره؟ وايش المهام اللي حتسويها هذا الإسبوع؟ بالأخص في بداية الإسبوع.
هل هذا يحدث في بالك لما تصحى وتشرب قهوتك؟ أو كنتي في البيت وما رحتي أي مكان وانتي حتى الآن ما فطرتي. لما تستيقظي، ايش تفكري في بداية اليوم؟ كم كمية الأفكار اللي تكون في بالك لما تصحي؟
ايش هي المهام اللي تجيكي قدام عيونك؟ ولازم تنجز اليوم ولازم تتابعيها، ولازم تكون كل الإنجازات وكل المهام، كل الأشياء اللي تفكر فيها وقت ما تستيقظ، ولما تفعل شيء واحد فقط لم تكن في وقتنا الحالي، أما في المستقبل أو في الماضي ماذا سيحدث؟
فمثلا لما تروح لأصدقائك، ما تفكر وأنت جالس معاهم، متى حأرجع، بكرا عندي دوام، أو اذا ما كنت موظف، وكنت صاحب أعمال وتفكر بكرا عندك اجتماع مهم، وايش المكالمة المهمة اللي لازم تنجزها؟ كل هذه الأفكار اللي تخليك ما تعيش اللحظة الحالية.
التفكير نعمة إلاهية ميزنا الله بها، لكن كثرة التفكير تتعبنا على المدى الطويل، ومع كثرة التفكير أصبحت راحة البال والهدوء اللي نشعر به في بالنا من أهم الأهداف اللي تتمناها كل الناس، هل تعتقد أنك ممكن تريح بالك وتهدئ؟ وتكون مستبصر وواعي في اللحظة اللي تعيشها، فمثلا لما تشرب كوب القهوة فأنت تفكر في هذه القهوة فقط، يا ترى حارة؟ دافئة؟ طعمها حلو أو مُر؟ حموضتها زائدة أو أقل؟ وإن كانت باردة فهل برودتها ممتازة، وتحاول تستطعم هذه القهوة، وتحس بطعمها، فلا تفكر ايش صار أمس، أو قبل ما تشرب قهوتك ايش حيصير بعدها؟ فين لازم أكون؟ فقط ركز في قهوتك أو في مشروبك المفضل اللي تتناوله في نفس اللحظة.
أنا ما أقصد أن تتغيب عن الواقع اللي تعيشه، لكن تعطي نفسك فرصة تكون مستبصر باللحظة الحالية، وعلى علم بالواقع المحيط بك، ولكن تعيش اللحظة بكل ما فيها، السبب اللي ما يخلينا نعيش اللحظة بكل ما فيها، بإحساسها، الأصوات اللي تسمعها بالمشاعر اللي نحسها الأحكام المطلقة أو Judgment واللي نطلقها على اللحظة قبل ما تحدث.
بمعنى أننا ننتقد كل شيء ونحكم عليه بدون ما نعيشه، فمثلا لما تستيقظ صباحاً، وتبغى تتناول قهوتك في البيت، ووجدت جهاز القهوة عاطل وما يعمل، بدل ما تبحث عن الخلل والواقع الموجود مثل ما هو، تقول أن الجهاز مصنوع من دول ليست مشهور بصناعة القهوة، واكيد انه ما راح يشتغل ثاني، مع أنه الواقع والخلل الأساسي في سلك الجهاز مو في الجهاز نفسه لكن your Judgment وحكمك المسبق عليه جعلك ما تنتبه للواقع اللي خلاك تعيش بفكرة ونقد في بالك على البلد المصنعة للجهاز.
Judgment والأحكام المسبقة والانتقادات اللي تنتقدها على الواقع اللي نعيشه تخلينا ما نعيش الواقع مثل ما هو، نعيشه على أفكار مسبقة حدثت لنا في الماضي، وتجارب أو قصص سمعناها أو مرينا فيها، ونعممها على اللحظة الحالية.
فمثلا لما ننهي ال weekend يوم الخميس عند دكتور الأسنان، وإضطريت تعمل عملية بسيطة عند دكتور الأسنان، وقال لك الدكتور أنك بحاجة إلى راحة في هذا ال weekend، أنت لديك حكم مسبق بما أنه دكتور الأسنان، اكيد سأتألم كل الWeekend وتجلس كل ال weekend في بيتك خميس وجمعة وسبت، وما تسوي أي شي.
فقط تجلس في السرير، بسبب أنك حكمت مسبقا على هذه اللحظة أنك ستكون متألم، مع أنه الواقع كان مجرد ما تأخذ المسكنات ال 24 ساعة حتحس براحة الجمعة والسبت، وتقدر تعيش حياتك طبيعي جداً، لكن حكمك المسبق على هذه اللحظة، وعدم إستبصارك بالألم ووعيك فيه، خلاك تصدق أنك حتجلس متألم إلى يوم السبت، المشكلة الأعظم أنك ما تسأل نفسك هل أنت متألم ولا لا؟
الـJudgment والأحكام المسبقة تجعلك ما تقدر تتحمل أو تصبر على اللحظة الحالية، فتجد قدرتك على الصبر تقل، لأن لديك فكرة في رأسك هي اللي تسيطر على اللحظة الحالية، وتجعلك تفقد أعصابك، ولا تستطيع أن تتحكم فيها، لماذا؟ لأن الفكرة اللي في عقلك تقول أنك ستتعصب ولا تستطيع أن تتحمل.
الأحكام المطلقة تجعلنا إنفعاليين، أي موقف يحدث لنا ما نستطيع أن نستشعر حكم الموقف، لا، نحن نستشعره بالفكرة المبنية في عقلنا والحكم اللي نطلقه على هذه اللحظة، بمعنى أن عواطفك ومشاعرك ستكون هي سيدة الموقف.
وإذا كنتم سمعتوا الحلقة الثالثة، واللي تكلمنا فيها عن النفس الحكيمة والـ Wise mind، وكيف نصل إليه، تكلمنا عن العقل العاطفي، وكيف سيكون هذا العقل هو سيد الموقف.
إذا كنت ماسمعت الحلقة الثالثة للنفس الحكيمة، أنصحك تعود وتسمعها، لأنها ستوضح لك الفرق بين العقل العاطفي والعقل العقلاني، فالعقل العقلاني، هو اللي يخليك تفكر في حياتك طوال الوقت، وماذا تفعل بعد ساعة وبعد ربع ساعة، وبعد ساعتين، وبعد يوم، ولا تقدر تروق أو تريح بالك وتعيش اللحظة اللي تمر فيها الآن.
ولذلك ابتكرت الدكتورة مارشا لينهان mindfulness skills وهي مهارات تساعد الإنسان إنه يعيش اللحظة الحالية ويكون فقط كل تركيزه بها، بدون ما يفكر في الماضي وأحكامه المسبقة من الماضي، وبدون أن يحمل مسؤولية المستقبل، وفقط يركز في هذه اللحظة الـ mindfulness skills تشبه الـ meditation أو لحظات التأمل، لكنها مختلفة عنها في إنها مهارات سلوكية نفعلها في أي مكان وكل مكان، فأنا أقدر أفعل الـ mindfulness skills لما أمشي، لما أكل، لما اسوق السيارة، لما أكون في اجتماع مهم، وأكون مركز في اللحظة الحالية. هذه المهارات أو التمارين الـ mindfulness skills تساعدنا نصل إلى الـ wise mind أو العقل الحكيم اللي ذكرناه في الحلقة الثالثة اللي كانت بعنوان "النفس الحكيمة"، هذا العقل الحكيم يجعلنا نرى الواقع وندرك شعورنا به، ونصل إلى قرارات حكيمة تجمع ما بين العقل والعاطفة.
الـ mindfulness skills أو الاستبصار ومهاراته له فوائد عالية جدًا، أثبتتها الدراسات أنها تساعد الإنسان إنه يخفف التوتر والقلق المتواجد بحياته، وتخفف من حدة المشاعر التي تظهر في المواقف الصعبة، وتزيد من قدرتنا على الصبر فتجد قدرتك على تحمل الصبر في المواقف الصعبة أكبر من السابق، وتجد حدة مشاعرك عندما يحدث موقف مفاجئ قليلة جدًا.
راحة البال والهدوء والطمأنينة، هي أمنية كل إنسان، ولن تستطيع أن تصل إلى الراحة التامة والسكون والهدوء عندما لا تستطيع أن تريح بالك ولو للحظة في اليوم.
فكر إنك تبدأ ترتاح لحظة أو لحظتين أو ثلاث وبعد ذلك سوف تجد أن راحة البال موجودة بحياتك وأنت تستمتع بها.