10 سنوات من التّفهم

في السراء والضراء

06-01-2022


في هذه الأيام ومع الحث على ريادة الأعمال وأن يكون لديك العمل الخاص بك، أصبح طبيعي أن نرى شراكات بين الأصدقاء، فأصبح طبيعي جدا تكون جالس في الديوانية اللي تروح لها كل اسبوع مع أصدقائك، ويأتيك احد من أصدقائك يقول لك، ايش رأيك نفتح مطعم برجر، وتبدأو تفكروا في المشروع وتفكرو كيف تبدأو، وتتشاركوا في المال، وفي الجهد، وتفتحوا مطعم البرجر، وبعد ما بدأ المطعم يعمل، وبدأتوا تديروه وبدأ يكبر، وبعد السنتين الأولى بدأت تدخلكم أرباح، ووجدتوا أنفسكم تتشاركوا الربح بنسبة 50%، لأن شراكتكم من البداية مبنية على الربح والخسارة.
واستمر هذا المطعم يكبر وتتوسعوا، وزاد عدد الزبائن عندكم، وفجأة حدثت خسارة في المطعم، وعندما جئتم تتقاسموا هذه الخسارة بينك وبين شريكك، رفض شريكك يتقاسم الخسارة، وأخبرته بأنكم شركاء في الربح والخسارة، ولازم بما أننا تشاركنا الربح، نتشارك أيضا في الخسارة.
وعندما ذكرت قصة شراكتكم للناس، كل الناس وضعوا الخطأ على شريكك، وقالوا كيف يكون شريك في الربح ويرفض أن يكون شريك في الخسارة، وكيف آمن بالقضاء والقدر لما جاء الربح، ورفض يؤمن أن الخسارة أيضا قضاء وقدر حدثت لكم في هذا العمل.
السؤال: هل الزواج شراكة بين الزوجين؟ هل أنت مستعد تتحمل مكاسب الزواج خسائره؟ إذا سألتك نفسك: ماهي مكاسب الزواج؟ وما هي خسائره؟ نقدر نعرف مكاسب الزواج أنه يحقق الاستقرار للإنسان، وأن يكون مع الإنسان شريك في الحياة، يشاركه حياته لحظة بلحظة، وأن يتكون مع هذا الشريك عائلة فتنجبوا أولاد، وبنات وتقوموا بتربيتهم، ويكون لديكم عائلتكم الصغيرة المستقلة وتعيشوا مع بعض ذكريات جميلة تبنوها في هذه الحياة.
ومؤكد أن للزواج مكاسب أكثر من اللي ذكرناها، لكن لو فكرنا في الخسائر، ما هي الخسائر اللي ممكن تكون في الزواج؟ فمثلا من الممكن ما يكون فيه إستقرار فتعيشون كل سنة في بلد، أو أحد الزوجين يكون في بلد والزوج في بلد أخرى، أو مدينتين مختلفتين، وممكن في الزواج يحدث قلة في الدخل المادي، أو تغير للوضع المادي لفترة، أو قلة في الأولاد أو أصبحتوا لا تنجبوا أولاد مع بعض، وأخيرا المرض، ممكن أنت تمرض أو شريكك يمرض، سواء مرض جسدي أو مرض نفسي.
كيف حتتعامل مع مكاسب أو خسائر الزواج؟ أكيد بطبيعتك حتقول أحمد الله على المكاسب، وأستمتع بها وأعيش وأفرح بهذه العلاقة وهذا الزواج اللي ربنا رزقني فيه، لكن كيف سيكون رد فعلك مع الخسائر؟ هل ستؤمن بقضاء الله وقدره وتقول هذا نصيبي من هذا الزواج وتكمل باقي حياتك مع شريكك؟ أم ستفكر في أن تفصل الشراكة لأنك ما تحب أن تتحمل خسائرها؟ أو سوف تبني شراكة أخرى وتنسى الشراكة الأساسية وتهملها لأن بها خسائر؟
إذا شريكة حياتك مرضت، سواء مرض عضوي أو مرض نفسي أو مرض مزمن، كيف ستكون ردة فعلك؟ هل ستعتقد أن هذا الزواج مثل الشراكة في العمل ومبني على الربح والخسارة؟ وهل ستتشارك الربح والخسارة وتؤمن بقضاء الله وقدره لك؟ وهل أنت شريك في السراء والضراء؟ أم فقط شريك في السراء ومكاسب الزواج؟
أثبتت الدراسات أن جميع الأمراض العضوية والنفسية، تتشافى بشكل أسرع، عندما يوجد دعم نفسي ومعنوي من شريك الحياة، وأثبتت أيضا أن عدم تخلي شريك الحياة عن الشخص المصاب بالمرض، يساعده أنه يزيد تقديره لذاته ويشعر بالحب والقرب من شريك حياته، والذي يساعده أنه يتشافى ويتحسن بشكل أسرع، لأن وجود الشريك معه يشعره بأنه متقبله ويحبه، سواء كان مريض أو متعافى.
فإذا أصيبت شريكة حياتك بإضطراب الإكتئاب وبدأت تشعر أن الحياة بينكم بدأت تتغير، فمثلا ما عادت تحب أن تفعل الأشياء التي كنتم تحبوا تفعلوها من قبل ما يأتيها الإكتئاب، وأصبحت نائمة طوال الوقت أو تشعر بقلة النوم، أو تبكي لفترات طويلة، أو ما تحب أن ترى الناس وتنعزل دائما في البيت، كل هذه الأعراض ستغير شكل حياتك الزوجية معها وستغير طبيعة الحياة اللي كنتوا تعيشوها.
من الطبيعي جدا أنك كزوج تحزن، لأنك فقدت الحياة السابقة، وتغيرت عليك، وأصبح في حياة جديدة تريد أن تتقبلها وتتأقلم عليها، ومهم جدا أن تمر بمراحل الحزن والفقد التي فقدتها في الحياة القديمة، وطبيعي جدا أن تمر بمرحلة الصدمة أنك لا تصدق أن زوجتك أصيبت بالإكتئاب، أو يكون عندك إنكار تام لوجود الإكتئاب، وتنفي أنها مكتئبة، وممكن المرحلة الثانية تكون غاضب ومتعصب، مش شرط منها ولكن من كل سبب آخر في الحياة، وممكن بعضها تتعرض لمرحلة " لو" واللي ممكن فيها تلوم نفسك أو تلوم المجتمع، أو تلوم ضغط الأولاد عليها، أو عملها، أنه كان هو السبب، فتجد نفسك بدأت تحزن، وهذا طبيعي جدا لأنها مراحل الحزن، وتجد أن حالتك النفسية بدأت تتغير، ليس أن صابك إكتئاب، لكنك حزين على الحياة السابقة التي كنت تعيشها مع شريكة حياتك، وفي الآخر ستصل لمرحلة التقبل، أنك تتقبل أن شريكتك جاءها إكتئاب.
بعد ما تقبلت، سوف تستطيع أن تقرأ عنه أو تزور معالج نفسي مختص في علاج الإكتئاب، وبعد ذلك تستطيع أن تتفهم الأعراض التي تمر بها، وما تقلل من إحساسها بالمرض والجهد مع إنها لا تفعل شيء، أو حزنها المستمر، وسوف تتعلم كيف تدعمها وتساعدها لتأخذ العلاج الصحيح، بدون ما تحسسها أنك تنتقدها، أو إنك غير متقبل إصابتها بالإكتئاب، تقبلك هذا لا يعني أنها ما تتعالج، وأنها ما تتحسن، بالعكس، تقبلك هو أكبر دعم لها أنها تحاول تتعالج، وتحاول تساعد نفسها، لكي تتعافى من الإكتئاب.
دعملك لشريكة حياتك يدل على أصلك، ومبادئك وإيمانك بمبادئ الشراكة من البداية. الزواج شراكة بين شريكين، تذكر قبل إصابتها بالمرض هي كانت تنوي أن تشاركك كل الحياة، بحلوها ومرها، بكل صحتها وعافيتها ووعيها، وإحساساها، وكانت تتمنى تبني معك هذه الحياة، وممكن يكون لديكم أولاد مع بعض، وممكن يكون لا، وأنها كانت تنوي أن تبني كل هذه الحياة بكل مكاسبها، وليس من العدل أن تفصل الشراكة أو تهملها، لأن بدأت تظهر بها خسائر، وما حققت كل المكاسب اللي كنتوا تتمنوا أنكم تحققونها مع بعض، ولا من العدل أن تترك هذه الشراكة وتذهب لتبني شراكة جديدة، أو تهملها لكونك لديك فرصة في حياة أخرى وشراكة جديدة بمكاسب جديدة.
إيمانك بالقضاء والقدر، وأن اللي حدث لك قضاء من عند الله، تعتبر خسارة في شراكتك مع شريكتك، لكن فكر إذا أنت كنت مكان شريكتك، هل تقبل أن شريكتك تتركك لأنك ما حققت المكاسب التي تريد أن تصل إليها؟ هل تقبل أنها تهملك وما تتقبل الخسائر مثل ما كانت سعيدة ومستمتعة بالمكاسب؟ إرجع وإسأل نفسك: هل عندما إختارت شريكة حياتك إختارتها بناءا على المكاسب التي ممكن تحدث معها وتحققونها مع بعض؟ وانبهرت باحتمالية المكاسب اللي من الممكن أن تحدث، هل كنت تتوقع أن ممكن في هذه الشراكة يحدث مشاكل؟ إسألي نفسك: هل عندما أخذتي قرارك في إختيار شريك حياتك كان القرار مبني على المكاسب التي ستحققيها مع هذا الشريك فقط؟
الحياة الزوجية علاقة شراكة، مثلها مثل الشراكة في العمل، في المثال الذي ذكرناه في بداية الحلقة، مثل ما نفرح بالمكاسب، إيماننا وحبنا للشريك والود الذي بيننا يجعلنا نتحمل الخسائر، ونتعايش معها، ونستطيع ندعم بعض ونتخطاها.