10 سنوات من التّفهم

النفس الحكيمة

13-09-2021


دائما نتساءل كيف نفكر ونشعر، وهل العقل يؤثر على علاقاتنا، ويتملكنا فضول مستمر لفهم تفكير الناس في حياتنا، لنعرف كيف يفكرون أو يشعرون، ودائما ما نسأل أنفسنا، هل الأفضل لنا أن نكون عاطفيين أم عقلانيين؟

كثرت التساؤلات واشتهرت نظريات كثيرة، مثل؛ نظرية العقل الأيمن، والعقل الأيسر، ونظريات تقول ان السيدات عاطفيين والرجال عقلانيين، ونظريات تنكر علاقة المرأة بالعاطفة والرجل بالمنطق.

ومن أحدث النظريات عن العلاقة بين العقل والعاطفة، والموازنة بينهما؛ نظرية "العقل الحكيم" والتي اكتشفتها دكتورة مارشا لينهان Marsha Linehan مُبتكِرة العالج السلوكي الجدلي Dialectical Therapy Behavioral (DBT)، ومن خلالها، تبيّن أن العقل له ثلاث حالات؛ حالة العقل العاطفي، وحالة العقل المنطقي، وحالة العقل الحكيم.

هناك عوامل كثيرة تجعلنا عرضة أكثر لحالة العقل العاطفي؛ منها، المرض، وقلة النوم، والتخمة، وغيرها..

من العوامل أيضاً؛ عوامل البيئية المحيطة بنا، أو الحياة التي نعيشها، فإذا كانت تلك الحياة مليئة ومزدحمة بالتوتر والقلق هذا يجعلنا أكثر عرضة للعقل العاطفي. لكن لا يجب أن نغفل أن قوة المشاعر لها فائدة كبيرة في حياتنا.

الأشخاص العاطفيين لديهم عاطفة قوية، دائما يشعروا بمن حولهم، ويكونوا دعم وسند لهم.

الاستسلام للعقل العاطفي يجعلنا نعيش حالة غير واقعية ومنعزلة عن الحياة، فمثلاً، الاكتئاب قد يسيطر على شخص ما على الرغم من أن حياته ممتازة وليست بها منغصات أو قلاقل، وتمتد إلى الدخول في صراع مع الأفكار السلبية التي حدثت له في الماضي،
على النقيض يأتي العقل المنطقي؛ الحالة الذهنية التي يحكمها المنطق والحقائق، لا يوجد مجال لمشاعر الحب، أو الحزن، أو الشعور بالذنب. وتتمثل فائدة العقل المنطقي، في إمكانية تخطيط حياتنا به، ونحتاجه للوصول لأهدافنا، ونقيس الاحتمالات التي قد تحدث وبالتالي نستطيع حل المشاكل التي تواجهنا.

في مرحلة العقل المنطقي نكون محكومين بالمنطق والحقائق، وما نعطي أي أهمية للمشاعر في حياتنا.

الضرر اللي يتولد لدينا حينما نعيش في حالة العقل المنطقي بشكل مستمر؛ هو أنه لن يكون لدينا أي اهتمام، أو شغف، أو رغبة، أو حماس لشيء آخر غير ما تفرضه عليك المنطق والحقيقة للقيام بتصرفات معينة دون غيرها.
هذه الحالة تجعلك إنسان بلا مشاعر، فلا توجد مشاعر قوية تربطك بشريك حياتك، أو أهلك، أو أصدقائك، أو زملائك في العمل، والعيش في حالة العقل العاطفي طوال الوقت، تجعل من الصعب تكوين صداقات جديدة، أو الحفاظ حتى على الصداقات القديمة، وبالتالي، نصبح عرضة أكثر لأمراض القلق والتوتر.

ومن هنا جاء مبدأ العقل الحكيم، وهو خليط بين حالة العقل العاطفي وحالة العقل المنطقي، بحيث لا يغب أي منهم على الآخر.

العقل الحكيم هو الصوت الداخلي الذي ينبهنا أحيانًا ما هو الصح أو الغلط، بناءً على المنطق والحقائق التي نعيشها.

حالة العقل الحكيم تعرٍفنا الأشياء بوضوح وعمق أكثر، فهي تكشف لنا كافة الجوانب للحقيقة الواحدة، والوصول لهذه الحالة مثل البحث عن قناة "محطة إذاعية" في الراديو، فنأخذ نبحث ونجرب موجة قبل أو بعد إلى أن يظهر صوت القناة التي نبحث عنها.

وحتى نصل لحالة العقل الحكيم، يجب علينا ممارسة حالة الوعي اللحظي The Mindfulness، اللي هي تمارين مختصة بالعلاج السلوكي الجدلي ابتكرتها الدكتورة مارشا لينهان وتختلف عن التأمل او تمارين اليقظة الذهنية العامة.