10 سنوات من التّفهم

كيف حالك اليوم؟

10-11-2021


لديك صديق كلما تسأل عنه كيف حالك اليوم؟ يقول لك أنا اليوم مريض للغاية وأمس كنت أشعر بالقلق ولم أستطع النوم وشعرت ببداية مرض الانفلونزا والزكام وما أعرف ماذا حدث لي مع تغيير الجو، ولدي مشاكل مع شريكة حياتي، وأيضًا في العمل مديري غيرَّ الأنظمة.

أنا مُتعب جداً وأشعر بالإرهاق.. تقول له إن شاء الله الأيام ستمر ولا تحمل هم، بسيطة.. فيرد عليك، قائلًا: "كل مرة تقولي بسيطة، انت ترى التعب اللي انا فيه، والازدحام، ولا أستطيع قيادة السيارة، وحياتي جدًا صعبة".

بينك وبين نفسك تقول "صديقي هذا سوداوي ولا ير أي جانب مشرق في الحياة"، وكل ما تحاول تقول له "حاول أن تكون ممتن للأشياء التي تمتلكها في حياتك الحمد لله أولادك في صحة جيدة وزوجتك تحبك، المشاكل شيء طبيعي"، ولكن دائمًا دائمًا يضع لك مشكلة لكل حل تقترحه.

وأصبح يأتيك إحساس أنه لا يستطيع أن يرى إلا الجانب المظلم من هذه الحياة وأبدًا ما يرى النور ولا يستطيع تخيله، ومع مرور الأيام انتبهت أنه لم يعد يشتكي، وما عاد ينزعج من كل شيء حوله في الحياة، ولكن عندما تسأله كيف حالك اليوم؟ يقول لك: "اللهم أخرجنا من الحياة على خير، الله يعدي هذه الأيام وتمر.. هانت هانت أيام ومعدودات وبعد ذلك نرتاح"، وبدأت تنتبه أنه صحيح توقف عن الشكوى، ولكن في نفس الوقت عزل نفسه عن الناس ويظهر عليه دائمًا الحزن والضيق، ودائمًا دائمًا يتحدث عن الموت، وعندما تخرج معه في مشوار، تنتبه أنه يقود السيارة بسرعة جنونية وكأنه لا يخاف الموت أو يتسبب في وفاة أي أحد، وعندما سافر في آخر رحله له، مارس كل الرياضات التي بها مغامرة عالية وكانت شديدة الخطورة ولا يوجد بها أسس سلامة، وعندما قلت له لماذا فعلت ذلك، ألم تخف إنك تموت؟!"، قال لك "أنا عمري ما أخاف الموت"، وأصبحت تنتبه لكل الكلام الذي يقوله، وكل الأدعية التي يدعيها إن هو فقط يتحدث عن الموت، وتجده دائمًا دائمًا يدعي بعد كل صلاة وفي وسط اليوم دعاء الرسول "صلى الله عليه وسلم": "اللهم أحينا إذا كانت الحياة خير لنا وأمتنا إذا كان الموت خير لنا"، وسألته لماذا تدعي بهذا الدعاء كثيرًا، قال لك إنه دعاء مأثور والرسول "صلى الله عليه وسلم" دعاه، فقلت له: "لكن أنت تقوله وتردده كثيرًا"، قال لك: "نعم، عادي، عشرة أو خمسة عشرة مرة في اليوم ليس بها مشكلة".

كنت دائمًا تدخل في حيرة بينك وبين نفسك، فصديقك لم يعد يشتكي، ولكنه حزين ويشعر بالضيق، ووجه دائمًا يدل أن هو حزين على نفسه ومع نفسه دائمًا ومنعزل عن الناس، لكن لم تأت لك الجرأة إنك تسأله أو تقول كلمة لها معنى له، حتى جاء اليوم اللي سمعت فيه خبر وفاته، وعندما سألت الناس من حولك والمقربين منه ومن أهله، قالوا إنه انتحر وأنهى حياته بنفسه.

كلمة الانتحار؛ كلمة كبيرة في مجتمعنا والكلام عن الانتحار ممنوع ومحظور اجتماعيًا، لأن الانتحار محرم في ديننا الإسلامي لكنه موجود، وكل أحد ينتحر يتم التغميم والتكتيم على موضوع انتحاره.

فليس من الطبيعي أن نعلم ونسمع عن كل حالات الانتحار التي حدثت ولا تزال تحدث، ودائمًا دائمًا هناك حالات تحدث، لكن لا نتكلم عنها، الانتحار لا يحدث في يوم وليلة، وليس فعل متهور، الانتحار هو مجموعة من المشاعر والأفكار والأحاسيس المتراكمة التي يشعر بها الإنسان قبل ما يصل للانتحار.

الانتحار له مراحل تبدأ بأن الإنسان يفكر في أن يؤذي نفسه، ويجرح نفسه بآلات حادة في أماكن ليست ظاهرة، وبعد ذلك تبدأ الفكرة والمحاولة تزيد أكثر وأكثر، ثم يبدأ التفكير في الموت لأنه لا يكتفي بإيذاء نفسه، وبعد الأفكار تأتي المحاولات الفاشلة لمرة وإثنين وثلاثة ولا تنجح، إلى أن تأتي المرة التي تنجح فيها المحاولة، وبعدها تنتهي الحياة.

معرفة أسباب الانتحار لا تعطي مبرر للإنسان أنه ينتحر، ولكن تساعدنا أن نفهم، لماذا يحدث الانتحار؟ للانتحار أسباب كثيرة في هذه الحياة؛ منها الضغوطات التي يمر بها الانسان، ولا يعرف كيف أن يتعامل مع المشاعر السلبية التي يشعر بها نتيجة وضع معين أو حياة معينة موجود فيها ويعيشها، وتحدث الفكرة الأسهل في عقل هذا الإنسان أن يُنهي هذه الحياة.

ومن أقوى المشاعر المرتبطة بالانتحار الشعور بالوحدة، وأعتقد أن الوحدة لا تعني أن الانسان يعيش وحيدًا بعيدًا عن كل الناس، الوحدة ليست هي إنك تدخل غرفة لا أحد بها، الوحدة هي أن تكون متواجد في غرفة مليئة بالناس لكن لن تشعر بقربهم منك أبدًا، ومن أهم دواعي الانتحار الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية.

من أهم الاضطرابات النفسية التي تؤدي إلى الانتحار أولا حالات الاكتئاب الشديدة جدًا وأيضا اضطراب ثنائي القطب أو الـ bipolar disorder، وأيضًا اضطراب الشخصية الحدية أو borderline personality disorder، هذه الاضطرابات يشعر الإنسان فيها بمشاعر شديدة جدًا ولا يعرف أن يتعامل معها ومن الممكن أن تؤدي إلى الانتحار، ومن اهم العلاجات التي نجحت في التعامل مع الأفكار الانتحارية وإيذاء النفس العلاج الجدلي السلوكي أو dialectical behavior therapy المعروف بالـ DBT، الذي أوجدته وابتكرته الدكتورة مارشا لينهان Marsha Linehan، هذا العلاج يتميز بأنه يجمع بين جلسات العلاج النفسي وحصص المهارات السلوكية التي تُعلم الانسان كيف يتعامل مع هذه المشاعر السلبية الشديدة، وأيضًا كيف يتحكم في هذه الفكرة ولا يستجيب لها وينفذها.

إذا كان حولك شخص قريب، سواء أحد من أهلك أو شريك حياتك أو زميلك في العمل أو صديق لك سواء قريب أو بعيد ولاحظت أنه بدأت تظهر عليه الأعراض التي تم ذكرها في أول الحلقة، وانتبهت أنه بدأ يعزل نفسه وبدأ يكتئب ويظهر على وجهه الضيق، ويكرر كلمة الموت كثيرًا، أو لاحظت من أحد المراهقين حولك أنه يمارس كل الرياضات الخطرة ويتصور سلفي من على رافعة أو من مباني عالية جدًا بدون ما يهتم لحياته، أو انتبهت أنه يجرح نفسه كثيرًا، ودائما ترى اللاصقات في يده كثيرًا وفي قدمه أو يأذي نفسه في أماكن ليست ظاهرة أحيانًا وهذه الجروح تكون بآلة حادة أو سكين أو غيره.

من الضروري عليك أن تقول كلمة، قُل كلمة لها معنى ولها أثر في حياة هذا الشخص القريب منك أو الذي لاحظت عليه هذا الأعراض، اسأله، صارحه، هل أنت تُفكر في أن تنهي حياتك؟ هل تُفكر في الانتحار؟ لأن كل الدراسات أظهرت ان الناس الذين كانوا يحاولون أن ينتحروا كانوا دائمًا يتمنوا أن يتواجد أحد يسألهم لكي يستطعيوا التعبير عن شعورهم الذي يخجلون منه والفكرة التي دائمًا في بالهم وتفكيرهم، وفي نفس الوقت الدراسات أظهرت أنه عندما تسأل إنسان هل تفكر في الانتحار والفكرة ليست في عقله، أنت لا تجعله يفكر بها ولن يُفكر في الانتحار.

الانتحار يظهر بشكل عالي جدًا في أقل الناس تعبيرًا عن شعورهم؛ وهم فئة المراهقين والرجال، ودائمًا نسب الانتحار عالية لدى الرجال، بينما نسب إيذاء الذات أو المحاولات البسيطة تكون عالية لدى السيدات، وعندما تسأل الشخص الذي لاحظت عليه هذه الأعراض أو عرض منهم صراحة، وتسأله هل أنت تُفكر في أن تنتحر؟ أنت بذلك السؤال تفتح الباب للشعور المكبوت أنه يتحدث عنه ويصارحك، لكن مهم جدًا إنك لا تحكم عليه ولا تنتقده، ولا تقول له "أنت كيف تفكر في ذلك"، لأن هو لا يعرف كيف يفكر في ذلك، فمشاعر السلبية والضغوط التي يشعر بها من العوامل التي دفعته أو ممكن إصابته باضطراب نفسي معين جعله يفكر في ذلك. مهم جدًا أن تقف بجانبه وتساعده وترشده للمعالجين النفسيين الذين يساعدوه في أن يتخطى هذه المرحلة وما يُنهي حياته.

إذا كانت تأتيك أي أفكار انتحارية وتشعر بأن الحياة ضاقت عليك وقلبك لم يستطع أن يتحمل المشاعر السلبية التي تسبب في ضغوط كبيرة لك، لا تستحي من شعورك ولا تحكم على نفسك وتقول كيف أنا أفكر في ذلك، أنا ضروري أنهي هذه الحياة، وكيف تفكيري يصل إلى ذلك، ساعد نفسك وكن رحيم عليها واذهب إلى المعالجين النفسيين والمختصين الذين يمكنهم أن يساعدوك على التعامل مع هذه المشاعر السلبية وتعرف كيف تتجاوزها.

لا تنتقض نفسك بأنك ضعيف لأنك وصلت لهذه المرحلة، الانتحار داء ولكل داءٍ دواء، كونك لا تعرف بما يفكر الناس من حولك يجعلك تشعر بأنك الوحيد في الدنيا التي تأتيك هذه الأفكار والتي تأتيك فكرة إنك تحاول أن تنهي هذه الحياة الصعبة، ثق وتأكد أنك لست وحدك كثير ناس مثلك، لا تنهي كل شيء بسبب لحظة لم تعرف كيف أن تفعل وتتصرف بها، العلاج موجود والمعالجين النفسيين الذين يتفهمون حالتك وما ينتقضوك ويتقبلوا الشعور القوي الذي يأتيك بأن تنهي نفسك، متواجدين.

حاول أن تساعد نفسك، أنت دائمًا كنت تحاول، وممكن تكون هذه لحظة الضعف، لكن أنت ممكن أن تذهب لأحد مختص يساعدك في تخطي هذه المرحلة.

أتمنى تكونوا استفدتم معي في حلقة اليوم، أعرف وأعلم أنه موضوع حساس ولا نتكلم عنه دائمًا، لكن مهم نفهم كل شيء يصير حوالينا بوجهة نظر نفسية.

أحب أسمع آرائكم وتعليقاتكم على حلقة اليوم وأكيد إجابتكم على سؤال بعد الحلقة على مواقع التواصل الاجتماعي.