23-12-2021
الآن نحن في موسم الاجازات وعادة بعد الإجازة نحس كأننا بحاجة لإجازة من الإجازة، فما هو السبب؟ هل الإجازة ما كانت طويلة كفاية؟ ولا لأننا ما نتمنى الإجازة تنتهي؟ ولا نتمنى إجازة أطول؟ أم تعبنا من السفر والزيارات العائلية واختلاف الروتين اليومي؟
ايش السبب اللي يجعلنا نشعر بإننا تعبانين جسديًا وذهنيًا بعد الإجازة؟
إذا سألت نفسك ايش معنى الإجازة؟، هل معناها فقط؛ أنه ما اصحى الصباح، أو ما اروح الدوام، أو إنك تسافر، أو إنك ما تروح الجامعة. ايش تعني الإجازة بالنسبة لك؟ وهل تشعر بالراحة في الإجازة؟
لكل شخص، طبعًا، أسلوبه الخاص اللي يقضي من خلاله إجازته، فبعض الناس يحبوا يقضوها مع أهلهم، والبعض يحب يسافر، والبعض يحب ينام ساعات أطول.
لكن هل تأخذ في إجازتك، إجازة لعقلك؟ هل تعتقد أن عقلك من الممكن أن يتوقف عن التفكير؟! مستحيل؛ لأنه حتى في الإجازة، نفكر ايش راح نسوي، ولما نرغب في السفر نفكر فين حنروح، وايش راح ناكل، وايش النشاطات اللي راح نسويها. كل هذه الأمور هي في حد ذاتها؛ تفكير.
الإجازة العقلية أو الإجازة الذهنية؛ هي إجازة من مسؤوليات الحياة، بمعنى إننا نأخذ إجازة من كوننا مسؤولين عن أنفسنا أو عن الناس المعتمدين علينا.
إذا كنت متزوج؛ سيكون لديك أولاد، شريك حياة. أو إذا لم تكن متزوج؛ سيكون لديك الوالدين، أهلك، إخوتك، والناس المتواجدين حولك، الناس المسؤولين منك.
طبعا ليس المقصود التخلي عن كل المسؤوليات والذهاب في إجازة إلى جبال الهيمالايا. ولكن المقصود هنا؛ إجازة ذهنية، هي عبارة عن حالة شعورية ولحظة أقف فيها عن التفكير في كل شيء لا بد أن يحدث أو من المفترض أن نؤديه ونخطط له، ومدة هذه الإجازة لا تتجاوز ساعات، وعلى الحد الأقصى تصل ليوم، فمن الممكن أن تختار خلال إجازتك الرسمية، كل يوم؛ ساعة أو ساعتين على الأقل لا تفكر فيها في مسؤولياتك، وبالطبع تكون خططت أن يكون هناك أحد يغطيك في القيام بهذه المسؤوليات أو المهام اللي من المفترض أن تُنجزها.
إذا كنتي أم، فمن الممكن بعد أن يخلد الأولاد إلى النوم في الإجازة أو إذا كانوا يسهروا مع أصحابهم أو يشاهدون فيلمًا كرتونيًا؛ أن تأخذي من 15 دقيقة إلى ساعة أو ساعتين، إجازة ذهنية، بحيث لا تفكرين في شيء من المفترض أنك تقومي بيه.
لكن من المهم أن يكون توقيت الإجازة الذهنية صحيح، لإنه إذا كان التوقيت خاطئ، ستؤثر الإجازة عليكي سلبيًا، وعلى الناس المتواجدين حولك.
وعشان يصير تطبيق الإجازة الذهنية أسهل، تقدر تخص وقت معين خلال اليوم، إما بداية اليوم، أو نهايته، أو في الوسط، حسب جدولك اليومي في الإجازة، وبعد تخصيص اليوم تقدر تضع مُنبه يذكرك بإجازتك الذهنية.
وبما إنه الإجازات السنوية، أو إجازة العيد، قد تكون طويلة أو قصيرة عند بعض الناس، فمهم جداً أننا نستغل هذه الإجازة بإننا نشعر بإحساس وشعور أفضل.
البعض من الممكن أن يقول لا بديل عن السفر عشان أشعر بشعور أفضل وأكون سعيدًا، ولازم أسوي بأشياء عشان أشعر بأن مزاجي تغير.
الحقيقة، حسب ما وجدت الدكتورة "مارشا لينهان Marsha Linehan" اللي ابتكرت "دي بي تي The Dialectical Behavioral Therapy (DBT)"، أو العلاج الجدلي السلوكي؛ أن الإنسان يستطيع أن يُزيد من الشعور الإيجابي عن طريق زيادة التجارب الإيجابية في حياته، فالشعور بالسعادة يُبنى من خلال ممارسات نقوم بأداءها كل يوم.
بإمكاننا تشبيه الشعور بالسعادة بالمبنى الطويل المكون من 10 أدوار، وحتى نستطيع أن نرى الدور العاشر في هذا المبنى، لا بد أن نقوم ببناء الدور الأول والثاني والثالث، كي يصبح واضحًا لك، وبالتالي تستطيع أن تستمتع بجمال هذا المبنى، وكيف أصبح تحفة معمارية جميلة.
نفس الشيء الشعور بالسعادة، يُبنى بالتجارب اللي تسعدك، حتى ولو كانت تجارب بسيطة، إلا أن الشعور الناتج عنها جميل، ومن هنا جاء اقتراح دكتورة لينهان بأنك تحاول أن تقوم بفعل أي شيء تحبه وتجرب أشياء بإمكانها أن تعطيك شعورًا إيجابيًا أو تُشعرك بالسعادة، أو تجرب مغامرة جديدة تكتشفها وتعيشها، ومن الممكن أن تبدأ بممارسات بسيطة جدًا لكن عظيمة الأثر عليك. فعلى سبيل المثال، أن تقوم بتناول فنجان قهوة مع صديقك المقرب وأحب الناس إليك، وتتكلموا عن أحلامكم وأهدافكم، وماذا تحبوا أن تقوموا به في المستقبل، أو إنك تعود للتواصل مع شخص قريب لقلبك لكن انقطعت عن رؤيته لفترة، سواء كان صديقك أو أحد أقاربك أو الناس الذين يعزّون عليك للغاية ولم تسمع أخبار عنهم لفترة زمنية طويلة، أو من الممكن أن تعود لممارسة هواية محببة لك وكنت تستمتع جدًا عندما تقوم بها لكن لم تمارسها لفترة كبيرة، وتعود للقيام بها مرة ثانية.
الحصيلة من كل هذه التجارب الإيجابية البسيطة بشكل يومي؛ تكون بمثابة شعور إيجابي عظيم يستمر لفترة طويلة، ومن الممكن أن تستغل الإجازة الذهنية اللي ذكرناها في أول الحلقة وتقوم من خلالها بأداء هذه التجارب الإيجابية بشكل يومي، بحيث إنك تشعر بالسعادة كل يوم.
مشاعر الفرح والسعادة تُبنى، والتجارب اللي تُدخِل علينا الفرح والسعادة لا بد أن نخطط لها لأن أثرها كبير لنا، فلا بديل عن التفكير في كيفية أن نقوم بإسعاد نفسنا بنفسنا.