10 سنوات من التّفهم

أنا والقدر

10-11-2021


عندنا خيارات متعددة في حياتنا، فمثلًا إنك تختار مجال عملك، أو المدينة اللي تحب تعيش فيها، أو شريك حياتك، والقدرة على الاختيار تختلف من شخص لآخر، لكن في حياة كل إنسان في أمور ما نختارها لكنها تصير، وكل ما علينا أننا نتقبلها ونتعايش معاها.

فإذا صحيت متأخر في الصباح، وكان عندك موعد مهم، وأنت خارج ما شفت الحفرة الجديدة اللي عند الباب، ولما طحت انكسرت رجلك. طبعًا، الموعد فاتك، ورحت للدكتور، وقال لك إنك تحتاج جبيرة، والمفروض أسبوعين ما تمشي على رجلك.

رجعت البيت وكانت مشاعر الغضب والألم والحزن على نفسك وعلى الوضع الجديد جدًا عالية، فكيف انت! الإنسان الرياضي اللي يتحرك طول اليوم راح تجلس في البيت وبحركة محدودة، وفي أول يومين كنت تتألم بشكل كبير جدًا، ولا تقدر تتحرك أبدًا.

هذا الواقع المؤلم أنت ما اخترته، لكن راح تعيش فيه لمدة أسبوعين، فأنت مو بيدك أن تفك الجبيرة، أو تنزع الألم وتجعله غير موجود، لكن كل اللي تقدر تسويه إنك تتعايش معاه وتحاول تخففه، ممكن تقول أنا مو معترض على قضاء الله وقدره لكن أنا متألم وحقيقي وضعي صعب.

اسأل نفسك هل أنت قادر على تقبل الوضع الجديد؟ وما هو مفهوم التقبل عندك؟ التقبل مو معناه إنك تحب الوضع الجديد اللي هو ما راح تقدر إنك تمشي فيه بسرعة، ولا يعني إنك تستسلم لهذا الوضع وتتمنى يكون اسلوب حياتك. التقبل هو إنك تتعايش مع الواقع الحالي بكل ما فيه، وتسمح لمشاعرك الحزينة والمتوترة إنها تكون موجودة، لأنه مو من الطبيعي لما تنكسر رجلك وتصير حركتك صعبة إنك تكون فرحان وسعيد ومتفائل، إنت بتتألم.

التقبل حسب ما وصفته دكتورة مارشا لينهان اللي ابتكرت العلاج السلوكي الجدلي (DBT) أو Dialectical behavior therapy؛ هو مهارة يمكن اكتسابها بإنك تتعايش مع الحقائق اللي ما نقدر نغيرها في فترة من الزمن، عرفَّت هذا النوع من التقبل، بالتقبل التام أو الـ Radical acceptance؛ واللي معناته إنك تتقبل بأفكارك، فتفكر كيف ممكن أتقبل الوضع الجديد؟ وبمشاعرك اللي تعيشها ولا تكتمها ولا تخاف إنك تتقبلها.

اعتقدت الدكتورة لينهان أنه مهم جدًا نفرق بين الواقع اللي من الضروري أن نتعايش معاه وما نقدر نغيره في اللحظة الحالية، وبين المشاكل القابلة للحل؛ واللي نقدر نغيرها.

فإذا أجريت عملية جراحية في رجلك وطلب منك الدكتور تتابع العلاج الطبيعي عشان تقدر ترجع تمشي عليها مرة ثانية، لكن انت أهملت العلاج الطبيعي وقلت لنفسك ما احتاجه، وفي نفس الوقت بتشتكي إنك ما تقدر تمشي وحتى الآن ومتألم، هنا عدم استطاعتك للمشي بصورة طبيعية لا يعتبر واقع مؤلم، يعتبر مشكلة انت ما حليتها لأنك أهملت إنك تروح العلاج الطبيعي.

من الأمور الواردة إنك ما تكون متقبل لكل شيء، سواء المشاكل القابلة للحل، أو الواقع الغير قابل للحل، أو تكون تحاول تحل كل شيء يصير في حياتك ولا تتقبل الواقع أبدًا. ففي المثال الذي ذكرناه، إذا مشيت على رجلك اللي هي في الأساس تعرضت للكسر، واللي من المفروض ما تمشي عليها لمدة أسبوعين، ولم تتقبل هذا الواقع، انت بهذا الاسلوب راح تزيد الألم، وتزيد المدة، فبدل ما تكون أسبوعين ممكن أن تصير 4 أسابيع، لأنك ما تقبّلت الواقع.

التقبل مو معناه الاستسلام وإنما هو التعايش على واقع ما نقدر نغيره، والرضا بالقدر ما اخترناه.

شاركوني تجاربكم مع التقبل وكيف استطعتوا أن تتعايشوا مع واقع لم تختاروه على مواقع التواصل الاجتماعي.